محلل سوداني: انقلاب مصر أنتج سؤالا كبيرا:هل ينتج الانقلاب ديمقراطية؟

الثلاثاء - 7 ديسمبر 2021

تحت عنوان " هل ينتج الانقلاب ديمقراطية؟" كتب الكاتب و المحلل السياسي السوداني د مدى الفاتح، مقالا في القدس العربي، ذكر فيه أنه "في عام 2013 وبعد تنحية الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي على يد الجيش، عاد الزخم مرة أخرى للتنظير حول «الانقلابات الديمقراطية».

 ومثلما يحدث في مثل هذه الأحوال كان الاستقطاب كبيراً بين فئة رأت أنها على حق، لأنها أتت بصندوق الانتخابات، وفئات أخرى كانت مقتنعة بأنها على حق، لأنها تعبر عن رغبة الجماهير التي أجمعت على أنها لا تطيق الصبر حتى اكتمال الفترة الرئاسية.

أنظر مثلا للحدثين المهمين الذين وقع فيهما ما يمكن أن نسميه «استيلاء على السلطة» والمتمثلين في الحالة السودانية وفي حالة تونس، التي تم فيها الاستيلاء على يد الرئيس. سوف نكتشف أن المتحمسين للخطوة في البلدين كانوا من الجهات المتضررة من طريقة الحكم السابقة، ومن تغول بعض المنافسين على المجال السياسي («النهضة» في الحالة التونسية وأحزاب «الحرية والتغيير» في الحالة السودانية).

 صحيح أن ذلك الحماس تدثّر بمسوغات تبرير قانونية، لكن الواضح أن السبب الحقيقي وراءه كان الرغبة في البداية من جديد وإعادة توزيع الأوراق السياسية. بالمقابل عارضت أطراف أخرى، كانت، بشكل ما، مستفيدة من معادلات الوضع القائم، تلك «التغييرات» بشراسة ظهرت في التركيز على استخدام مفردة «الانقلاب» وحث جميع المتعاطفين على تكرارها وتثبيتها، لكون هذه الكلمة مفتاحية من أجل تبرير أي عمل شعبي مقاوم.

بالإضافة إلى التباعد بين المجالين القانوني البحت والسياسي، هنالك مجال آخر لا يمكن تجاهله، وهو ما يمكن تسميته «التدافع الدولي» ذلك العامل مؤثر جدا في توجيه الأحداث، حيث توضح السلاسة التي تمت بها إزاحة «النهضويين» عن الحكم في تونس، كيف صادفت القرارات التي شملت تجميد البرلمان المنتخب، والقفز على مواد الدستور هوىً لدى العواصم العالمية والإقليمية المؤثرة، التي لم تكن ترى في حزب «النهضة» رغم ما قدم من تنازلات، شريكاً يمكن التعويل عليه.

 بالمقابل لم يشفع لقائد الجيش السوداني سرده لبيان طويل ذكّر فيه بفشل القيادات التنفيذية السابقة، واحتكارها للسلطة التي أصبحت مقسّمة بين أحزاب وكيانات معدودة، كما لم تفد كل الدفوعات التي تركزت حول أن الجيش هو الذي مدّ الحكومة المنحلة بالشرعية، وأن «الوثيقة الدستورية» التي تم تعليق بعض موادها، لم تأت عبر تشاور مجتمعي، ولم تكن محل اتفاق. كل ذلك لم يبد مقنعاً «للمجتمع الدولي» الذي كان يمثّل دور الراعي لحكومة «الحرية والتغيير» الليبرالية.

كسب المجتمع الدولي يمثّل أولوية لكل صاحب انقلاب، أو قل لكل صاحب «إجراءات» فما يحدد ما إذا كان ما قمت به شرعياً أو لا، ليس وجهة النظر الشعبية الداخلية، وإنما الدولية.

هذه الأجواء القانونية الغائمة شجعت الأكاديمي الأمريكي من أصل تركي أوزان فارول على استخدام مصطلح «الانقلاب الديمقراطي» الذي يبدو لأول وهلة متناقضاً. يأخذنا أستاذ القانون في كتابه الصادر عام2017 ، الذي جمع فيه أفكاره ومن بينها بحث سابق قدمه لمجلة «القانون الدولي» بجامعة هارفارد عام 2012إلى مرحلة متقدمة تالية لمرحلة غموض التوصيفات القانونية ليقول، إن الانقلاب مكتمل الأركان، وليس فقط الإجراءات المختلف حولها، قد يكون مهماً لإنقاذ الديمقراطية. المبرر هو أن المدنيين يكونون في بعض الأحيان عالقين وغير قادرين على الخروج من عنق زجاجتهم، إما لأنهم مطوّقون بالسياق الدستوري، أو لأنهم لا يملكون القوة الكافية لتغيير معادلات الصراع. هذا الوضع يجعل تدخل الجيش لازماً من أجل إنقاذ أولئك العالقين على طريقة رمي كل الأوراق والبدء من جديد. في حالة «الانقلاب الديمقراطي» تكون هذه البداية عن طريق تهيئة الأجواء لانتخابات حرة.

يجب أن نتذكر أن فارول وضع تنظيراته تلك في أجواء عام 2011 التي شهدت ما اصطلح على تسميته بثورات «الربيع العربي». ركز فارول، بجانب أمثلة تاريخية أخرى من تركيا والبرتغال، على الحالة المصرية ليقول إنه، ومن الناحية القانونية المحضة، فإن ما حدث شكّل انقلاباً على الرئيس مبارك، لكن ما جعل الناس يتجاوزون هذه التسمية السلبية هو أن ذلك تم برغبة شعبية عارمة رأت ضرورة التخلص ممن وصف بأنه ديكتاتور ومستبد. يخلص فارول للقول إن الاستجابة لرغبة الجماهير لا يمكن أن تسمى انقلاباً، وإن سميت فهو انقلاب حميد لصالح الديمقراطية.

من المفارقات هنا أن مصطلح «الانقلاب الحميد» استخدمه قبل عقود طويلة السياسي السوداني الصادق المهدي في منطق مماثل.

فتح ذلك باب النقاش الفلسفي حول شرعية الشارع وجدوى الصندوق. أفكار فارول ظلت حاضرة هنا وكان من بين آثارها مقالة مهمة نشرتها مجلة «فورين بوليسي» استندت فيها إلى تنظيراته، وهي تحاول إعادة تعريف ما حدث في مصر عام 2013. حفزت كتابات فارول كذلك نيكول فلكنهاينر وباحثين آخرين على وضع كتابهم المشترك: إعادة التفكير في النظام"

المصدر     القدس العربي