قيود غير مسبوقة على الإعلام في البيت الأبيض و"البنتاغون".. ترامب يستنسخ أدوات الأنظمة الديكتاتورية!
السبت - 18 أكتوبر 2025
- قواعد جديدة تمنع المراسلين المعتمدين من نشر أي معلومات غير مصرح بها رسميًا
- مراقبون: القيود المفروضة على الإعلام في عهد ترامب تشكل أخطر تحدٍ لحرية الصحافة
"إنسان للإعلام"- فريق التحرير:
في خطوة وُصفت بأنها "أخطر ضربة لحرية الصحافة الأمريكية منذ عقود"، فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودًا صارمة على عمل الصحفيين في كل من البيت الأبيض ووزارة الدفاع (البنتاغون)، شملت مصادرة تصاريح إعلامية وإجبار الصحفيين على توقيع تعهّدات تحد من حركتهم ونشرهم للمعلومات.
وأثارت هذه الإجراءات موجة احتجاجات داخل الأوساط الإعلامية الأمريكية، دفعت مؤسسات وصحفًا كبرى إلى الانسحاب من التغطيات الرسمية ومغادرة مقارّها داخل المؤسسات الحكومية، في مشهد غير مسبوق منذ حقبة "جوزيف مكارثي" في خمسينيات القرن الماضي.
استنساخ ديكتاتوريات الشرق الأوسط
لم يكتفِ ترامب – الذي استعان بالجيش لقمع المظاهرات المناهضة له في عدد من الولايات؛ بحجة مكافحة الفوضى والمهاجرين غير الشرعيين – بتكرار تجربة الأنظمة القمعية في التعامل مع الشارع، بل نقل ممارساتها تجاه الإعلام أيضًا،
فقد فرض سلسلة قيود على الصحفيين داخل البيت الأبيض، ثم وسّعها إلى البنتاغون، ما اعتبرته الصحف الأمريكية استنساخًا واضحًا لسياسات "الأنظمة الاستبدادية" في التحكم بالمعلومة ومنع الرقابة الإعلامية على السلطة.
مصادرة التصاريح وحجب المعلومات
بحسب تقارير إعلامية أمريكية، صادرت وزارة الدفاع شارات اعتماد كل منظمة إعلامية رئيسية تقريبًا، بعد أن رفضت تلك المؤسسات التوقيع على "قواعد الأمن الجديدة" التي وضعها وزير الدفاع "بيت هيجسيث" بحجة حماية المعلومات الحساسة.
وتفرض السياسة الجديدة – التي صيغت في وثيقة من نحو 17 صفحة – قيودًا على ما يمكن للصحفيين نشره، وعلى حركتهم داخل مبنى البنتاغون، مهددةً من يخالفها بفقدان تصريحه الصحفي أو الملاحقة القضائية.
الأزمة بدأت من البيت الأبيض
بدأت الأزمة حينما وضع ترامب قواعد تغطية جديدة داخل البيت الأبيض تقيد دخول الصحفيين المستقلين وتمنح وسائل الإعلام اليمينية المؤيدة له امتيازات خاصة.
ثم تبعها سياسة جديدة في البنتاغون تنظم عمل المراسلين المعتمدين وتمنعهم من نشر أي معلومات غير مصرح بها رسميًا.
وأكد موقع "ذا هيل" الأمريكي أن جميع المؤسسات الإعلامية الكبرى – باستثناء وسيلة واحدة – مهددة بفقدان اعتمادها الصحفي إذا لم توقّع على الوثيقة الجديدة.
تمرد إعلامي ورفض جماعي
قبل انتهاء المهلة في 15 أكتوبر 2025، أعلنت صحف كبرى مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"ذا أتلانتك" رفضها التوقيع على سياسة ترامب الإعلامية، معتبرة أنها انتهاك صريح للتعديل الأول من الدستور الأمريكي الذي يضمن حرية التعبير.
وانضمت إليها شبكات تلفزيونية كبرى مثل "سي بي إس نيوز" و"إيه بي سي نيوز" و"سي إن إن" و"إن بي سي نيوز"، بل وحتى وسائل محافظة مثل "فوكس نيوز" و"نيوزماكس".
وفي بيان شديد اللهجة، قالت رابطة صحافة البنتاغون إن القواعد الجديدة "تبدو مصممة لتكميم الصحافة الحرة"، معتبرة أنها تفتح الباب أمام الملاحقة لمجرد ممارسة العمل الصحفي.
تفاصيل القيود الجديدة في "البنتاغون"
تتضمن الوثيقة المكونة من 17 صفحة تعريفات لما يُعتبر "معلومة مصرح بها" أو "غير مصرح بها"، بما في ذلك المعلومات غير السرية، وتشمل:
- منع التجول داخل مبنى البنتاغون: لم يعد مسموحًا للصحفيين بالحركة الحرة داخل أروقة الوزارة، وأصبح دخولهم لبعض المكاتب والأجنحة مشروطًا بمرافقة رسمية.
- تقييد التواصل مع القادة العسكريين: لم يعد بإمكان المراسلين التواصل المباشر مع كبار القادة دون تنسيق مسبق، ما يجعل الاعتماد على المصادر الرسمية فقط.
- تجريم النشر دون موافقة مسبقة: يُحظر نشر أي مادة لم تمر على مراجعة رسمية، حتى لو لم تكن سرية، وهو ما يُعد رقابة مسبقة في القانون الأمريكي.
- تهديد بفقدان الاعتماد: كل من يخالف التعليمات يفقد حقه في دخول البنتاغون أو تغطية أنشطته.
مبررات رسمية... واتهامات بالرقابة
برّر "البنتاغون" هذه الإجراءات بأنها تهدف إلى حماية الأمن القومي ومنع تسريب معلومات استخباراتية حساسة، لكن الصحفيين رأوا في ذلك محاولة للسيطرة على الرسالة الإعلامية وضمان أن تبقى التغطية ضمن حدود ما تريده إدارة ترامب.
وقال معارضو السياسة إنها تمثل محاولة لتفادي الانتقادات الإعلامية والتأثير في السردية الرسمية للأحداث، فيما اعتبر قانونيون أن هذه القيود تصطدم بمبدأ الرقابة المسبقة المحظور دستوريًا.
انسحاب جماعي وموقف قانوني
رفض أكثر من 30 وسيلة إعلامية التوقيع على التعهد، وسلمت بطاقاتها وغادرت مقارّها داخل البنتاغون احتجاجًا على ما وصفوه بـ"خنق حرية الصحافة".
وقدمت منظمات إعلامية ونواب في الكونغرس شكاوى قانونية ضد السياسة الجديدة، في حين لمح "البنتاغون" إلى احتمال تعديل بعض بنود الوثيقة دون التخلي عن جوهرها.
ويرى محللون أن هذه الإجراءات تمثل تحولًا جذريًا في العلاقة بين الصحافة والجيش الأمريكي، وقد تُعيد إلى الأذهان معارك قضائية سابقة مثل قضية Pentagon Papers الشهيرة.
قيود مشابهة في البيت الأبيض
لم تقتصر سياسات ترامب على وزارة الدفاع، بل طالت البيت الأبيض أيضًا،
ومن أبرز تلك القيود:
- التحكم في مجموعة "الصحافة الرئاسية المرافقة(Press Pool)" :حيث انتُزعت صلاحية اختيار المراسلين من جمعية الصحفيين المستقلين لتُمنح لفريق الإعلام الرئاسي.
- استبعاد مؤسسات إعلامية: مثل وكالة "أسوشيتدبرس" التي حُرمت من حضور فعاليات رئاسية بعد رفضها توجيهًا بتغيير اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أمريكا".
- اشتراط الالتزام بالتوجيهات اللغوية والسياسية: بحيث يُمنع الصحفي من التغطية إذا خالف المصطلحات التي تحددها الإدارة.
- التحكم في الأسئلة الصحفية: إذ أصبح يحق للرئيس أو فريقه الإعلامي اختيار الأسئلة المسموح بطرحها ومن يوجهها.
وتوضح تقارير صحفية أن هذه القيود نُفذت عبر مزيج من القرارات الإدارية الداخلية، دون إعلان رسمي شامل، ما يجعل تتبعها قانونيًا أكثر تعقيدًا.
أزمة ثقة وتراجع للشفافية
يرى مراقبون أن القيود المفروضة على الإعلام في عهد ترامب تشكل أخطر تحدٍ لحرية الصحافة الأمريكية في العقود الأخيرة، وأنها تؤسس لمرحلة "رقابة رسمية" تحت ذريعة الأمن القومي.
ويحذر خبراء الإعلام من أن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى فقدان الثقة بين المؤسسات الإعلامية والحكومة، ويحول دون الرقابة المستقلة على السلطة، ويفتح المجال أمام تسرب المعلومات غير الموثقة أو المضللة.
انعكاسات خطيرة على صورة أمريكا
تُظهر هذه السياسات التي تبنّتها إدارة ترامب تناقضًا صارخًا بين الخطاب الأمريكي الرسمي عن "الديمقراطية وحرية التعبير" وبين ممارساتها الفعلية داخل المؤسسات الحكومية، ففي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن انتقاد دول أخرى بتهم "قمع الإعلام وتقييد الصحافة"، يجد العالم اليوم مشهدًا مقلقًا داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث تُصادر التصاريح وتُفرض الرقابة وتُكمم الأفواه.
ويرى محللون أن هذه الإجراءات لا تمثل فقط تراجعًا عن القيم الدستورية الأمريكية، بل تضعف أيضًا المصداقية الأخلاقية والسياسية لواشنطن في الدفاع عن حرية الصحافة عالميًا، وتفتح الباب أمام الأنظمة السلطوية لتبرير قمعها بحجة "أن أمريكا تفعل الأمر ذاته".
وهكذا، يجد الإعلام الأمريكي نفسه أمام اختبار تاريخي: إما الدفاع عن دوره الرقابي واستقلاله، أو الانزلاق إلى نموذج “الإعلام الموجّه” الذي طالما انتقدته الديمقراطية الأمريكية في غيرها من الدول.